ينقسم الناس لثلاث درجات في اليقين: ذكر الله اثنتين منها في سورة التكاثر فقال {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ. لترون الجحيم. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: 5:7]وذكر الثالثة في سورة الواقعة فقال عز وجل {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]
وعلى هذا تكون درجات اليقين هي:
وهو القبول الكامل والتصديق والعلم الجازم المطابق للواقع الذى لا شك فيه لأوامر الله ونواهيه، وشَرْعه ودِينه الذي جاء على ألْسِنة رُسُله، فنتلقَّاه بالقَبول والإذْعان والانصياع لله جَلَّتْ قُدرتُه، وقَبول ما غاب مِن أمور المَعاد، والجَنَّة والنار، وما قبْل ذلك مِن بعْث وصِراط وميزان وحساب، وإثْبات الأسماء والصِّفات.
وهو ما كان عن مشاهدة وانكشاف، ويُرَاد به أنَّ المعارِف التي حصَلتْ سلفًا ترْتقي مِن درجة العِلْم الجازم بها، إلى دَرَجة النظر إليها بالأنظار، والكَشْف عنها بالأبصار.
وهي أعلى الدرجات التي تكون فيها درجة تصديقك بالله تصل لبصرك وجميع حواسك وكأنك تراه حقا.
والفَرْق بين مراتب ودرجات اليقين كالفرْق بيْن الخبر الصادِق وبين العيان وبين الملامسة والمخالطة، فعلم اليقين في القلب وعين اليقين في القلب والبصر وحق اليقين في القلب والبصر وجميع الحواس والجسد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية " علم الْيَقِين مَا علمه بِالسَّمَاعِ وَالْخَبَر وَالْقِيَاس وَالنَّظَر وَعين الْيَقِين مَا شَاهده وعاينه بالبصر وَحقّ الْيَقِين مَا بَاشرهُ ووجده وذاقه وعرفه بِالِاعْتِبَارِ فَالْأولى مثل من أخبر أَن هُنَاكَ عسلا وَصدق الْمخبر أَو رأى آثَار الْعَسَل فاستدل على وجوده وَالثَّانِي مثل من رأى الْعَسَل وَشَاهده وعاينه وَهَذَا أَعلَى كَمَا قَالَ النَّبِي e لَيْسَ الْمخبر كالمعاين وَالثَّالِث مثل من ذاق الْعَسَل وَوجد طعمه وحلاوته وَمَعْلُوم أَن هَذَا أَعلَى مِمَّا قبله " [ الزهد والورع والعبادة: 77 ]
تصور أن رجلا من الثقات عندك قد أخبرك بأن فلانا قد حضر من السفر، فهنا أنت صرت على علم بالخبر، ثم إذا صادفت العشرات وأخبروك بقدوم هذا الشخص من السفر، فإن ذلك يصير راسخاً قد لا يقبل التشكيك بحال من الأحوال، وهذا فرق العلم واليقين.
فالمسلم يعلم باليوم الآخر، ولكن هذا العلم قد يضعف في قلبه، وقد تعتريه في بعض الأحيان بعض الشكوك، وبعض الشبهات، فتؤثر عليه.
وأما إذا كان اليقين مستقراً في القلب، فلا طريق للشُبه، ولا طريق للأمور المشككة، وإنما هو اعتقاد جازم راسخ، لا يقبل التشكيك بحال من الأحوال، ولهذا يقولون:'العلم يعارضه الشكوك واليقين لا شك فيه'. [بصائر ذوي التمييز:5/397]
يقول الله عن أهل الفلاح بأنهم أهل اليقين الراسخ بالآخرة والعمل لطلبها: { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ *أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة: 4-5]