من ابتلي باعتناق الديانات المحرفة فإنه يعيش في اضطراب بسبب التناقض وفساد التصور الذي تحمله تلك الديانات الوضعية التي اخترعها البشر، أو الديانات السماوية التي تعرضت للتحريف والتبديل عبر الزمان.
فتناقضات هذه الأديان تربك وتشوه رؤية الشخص للدنيا وللآخرة، أما من يتبع الدين الحق فلا ارتباك ولا تشوش ولا اختلاف (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82] ولذا فالأديان الباطلة تدمر حياة الناس في الدنيا وتشقيهم وتتعبهم فيها، وتدمر أخراهم فيأتوا فيجدوا أنهم دمروا سعادتهم في أخراهم من حين أن كانوا في الدنيا بتصوراتهم المضطربة.
فالله سبحانه وتعالى أرسل رسوله لينتشل العباد من عبادة البشر والحجر واتباع المذاهب الباطلة، ليعبدوا الله وحده لا شريك له الذي لا تستقر النفس بدون بغير توحيده، ولا يستقيم إيمان المرء إلا بالبراءة من كل معبود وإله سوى الله، ففي الجاهلية كانوا يعبدون الله ويشركون معه الأصنام في العبادة، فجاء الإسلام برسالة التوحيد، الذي يعني الإيمان بالله والكفر بكل ما سواه.
والإنسان الذي تتنازعه الأديان الباطلة والأهواء يعاني من الحيرة وعدم الاستقرار النفسي، وضرب الله مثلاً للفرق بين من يوحد الله خالصًا من قلبه، ومن تتنازعه الأهواء والمعبودات، قائلاً: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 29]
وقال يوسف عليه السلام (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 39، 40]
فالنفس لا تستطيع الخضوع لعدد من الآلهة والكون لا يستقيم إلا بالخضوع لإله واحد، قال الله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الأنبياء:22] قال القرطبي: والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها، أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا، وقيل معنى (لفسدتا): أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. وقال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ] [المؤمنون:91]