قال عبد الله بن مسعود: نام رسول الله على حصير فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وِطاءً؟ فقال: (ما لي وللدنيا؟، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها) رواه الترمذي.
فالرسول الله على حصير، والحصير كما هو معلوم ليس من الفرش التي يجد الإنسان فيها الراحة، لأن عيدان الحصير تؤثر في جلد الإنسان، ومع ذلك رفض أن يتخذ له وِطاءً أي فراش لين، برغم أن العرْض هو من الأمور اليسيرة البسيطة؛ هو مجرد فراش يستريح إذا جلس أو نام عليه لا يجد أثره كما يؤثر فيه هذا الحصير، فلم يقولوا له مثلاً: لو اتخذنا لك قصراً شامخاً، أو أثاثاً فخمًا.
لكن الرسول الذي يتعامل مع الدنيا بنفسية المسافر الذي يقيم بشكل مؤقت في الدنيا، لا يرى حاجة لأن يشغل ولو جزء يسير من وقته وتفكيره بشيء مؤقت، سيتركه عما قريب.
فالنبي يمثل حاله مع الدنيا بمثل من استظل تحت شجرة لبرهة من الوقت، فلم يركن إليها او يتصرف كمن يدوم بقاؤه بها، ويشهد لهذا المعنى أيضا حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما رأى النبي ، على حصير قد أثر في جنبه، فبكى، فقال له النبي : ما يبكيك؟ فقال: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) رواه البخاري.
فهذه الدنيا التي نتصارع عليها تصارع الذئاب ونتهافت عليها بمنتهى الشره ليس لها عند الله قيمة إذ لو كان لها عند الله أدنى قيمة لما ترك أنبيائه وأوليائه يعانون فيها البلاء بعد البلاء، والمتاعب والمشقة.
ولكن ومع كل هذه التحذيرات والتنبيهات يصر البعض على التهافت عليها بعقول مسلوبة، وشغف بحبها والتعلق ببهرجتها الزائفة الزائلة، فخربوا آخرتهم الباقية وعمّروا دنياهم الحقيرة الفانية.
ومعظم تنافس الناس اليوم هو من أجل الدنيا فقط، فمن أجلها تقاطعوا، وتدابروا، فكم من خصومات وتعديات من أجل الاستكثار من نعيم قليل لا يساوي شيئًا.
والواجب على المؤمن تجاه الدنيا ودناءتها أن يعيش بنفسية المسافر ولا يستغرق همه وتفكيره في الدنيا، فلا ينظر إلى من هو فوقه وأعلى منه منزلة، بل ينظر إلى من هو دونه، حتى لا يزدري نعمة الله عليه فيقع في الإثم والمعصية، أمّا في أمور الدين والآخرة ففي ذلك فليتنافس المتنافسون بلا حقد، ولا حسد، ولا كراهية، ولا تقاطع، ولا تدابر.
عن أنس أن النبي قال: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) متفق عليه.