يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وَإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا إنَّ حِمَى اللهِ فِي أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وَهِيَ الْقَلْبُ» (متفق عليه)
وقد حدث النبي أصحابه أن الأمانة (يعني الإيمان) نزلت في جذر قلوب الرِّجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السُّنة، ونقل الصحابي حذيفة بن اليمان عن النبي قوله: « ينام الرجل النوْمة فتُقْبَض الأمانة من قلبه،.. ».
وهي الأمانة التي قال الله عنها: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [ الأحزاب: 72 ]، وهي الإيمان.
والقلب كذلك هو وعاء التقوى، وقد قال النبي e: « التقوى ها هنا »، وأشار إلى صدره، علامة على أن مكان التقوى هو القلب.
عدّ الله أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح مكملة لها؛ فالنية بمنزلة الروح للجسد، وبدونها يصبح العمل وعدمه سواء. [فتاوى ابن تيمية].
وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح، كلاهما مطلوب، إلا أن أعمال القلوب أساس لأعمال الجوارح، وهي تعبر عن الإيمان، وأعمال الجوارح مظهرها وعلامتها، وهي التي تعبّر عن الإسلام، لكنه لا يُقبَل بدونها، قال -عز وجل-: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ} [الحجرات: 14].
ولهذا قال أحد الصالحين: "القلوب أوعية والجوارح مغارفها"، مصداقا لقول الله تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات: 9- 11].
والقلوب الأصل المترتب عليه المدح، قال الله -سبحانه-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، وجعلها الأصل في الذم كما قال -سبحانه-: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة: 283].
وقد خلق الله في القلب محل لمعرفته ومحبته، فعن النبي e:«إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» [رواه مسلم].