طبيعة الدنيا أنها غرارة فبرغم أنها عما قليل ستنقضي وأن كل متاعها زائل ومؤقت ومنقوص فإنها تخدع البشر بهذا المتاع الزائل قال الله: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) [آل عمران: 185]
قال الإمام الطبري في تفسيره: وما لذات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها، إلا متاع الغرور، يقول: إلا متعة يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختيار، فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره، يقول تعالى ذكره: ولا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون.
والغرور مصدر من قول القائل: غرني فلان فهو يغرني غروراً بضم الغين، وأما إذا فتحت الغين من الغرور، فهو صفة للشيطان الغرور، الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته.
قال قتادة: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، قال: هي متاع، هي متاع متروكة أوشكت -والله الذي لا إله إلا هو- أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله.
وقال النبي ﷺ: (إنَّ موضعَ سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها واقرؤوا إن شئتُم (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ، وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ، وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُور) قال الألباني: حسن صحيح
جاء ذكر "متاع" مقترناً بذكر الحياة الدنيا كثيراً في القرآن مما يدل على أن حقيقتها أنها متاع، كما قال - تعالى-: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ) [غافر: 39]
وقال: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) [الرعد: 26]
وقال: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) [النساء: 77]
وهذه الآيات تربي المسلم على التوازن في حياته، فالدنيا فانية متاع زائل لا قيمة لها، لا تطلب ولا يركض وراءها، ومع ذلك جاءت آيات تحث المسلم على العمل والكدح وطلب الرزق والضرب في الأرض، فهذان الخطابان يربيان في المسلم كيف يوازن بين الأمور والأدلة، فيعيش في الحياة الدنيا ويطلب رزقه ومع ذلك لا تدخل الدنيا قلبه ولا يتعلق بها.