حقيقة سعادة الدنيا والآخرة
السعادة الحقيقية ليست وهما أو سرابا كما يكتب بعض الشعراء والأدباء وكما يروج عدد من الفلاسفة والمفكرين إنها موجودة وحقيقية وصادقة في هذه الدنيا وفي الآخرة.. إنها تلك الحياة الطيبة التي قال الله عنها " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [النحل: 97]
هذه الحياة الطيبة المتمثلة في الرضا والسعي لتفهم الحكمة في كل أمر يمر به ( عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له) [رواه مسلم].أو فلنقل إنها الحياة المطمئنة حيث القلوب المطمئنة " أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [سورة الرعد: 28]
حياة صلاح البال التي تخلو من القلق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)[محمد:2]
هل هي سعادة واحدة؟
(سعادة الإيمان)
عندما نتحدث عن سعادة الدنيا وسعادة الآخرة ففي الحقيقة نحن نتحدث عن سعادة واحدة لا سعادتين مختلفتين فمع الفارق الضخم بين الدنيا والآخرة وطبيعة الشعور والإحساس في كل منهما إلا أن نوعية السعادة واحدة مع اختلاف الدرجة إنها سعادة "حلاوة الإيمان" تلك التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» (رواه مسلم) وهذه هي جنة المؤمن العاجلة
وفي ذلك يقول ابن تيمية رضي الله عنه: "إنّ في الدينا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قالوا: وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان". تلك الجنة التي حكى عنها ابن تيمية أنه وجدها على الرغم من وجوده في السجن حيث قال "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنّى رحت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".
فلو علم هؤلاء التائهون الباحثون عن السعادة أن السعادة كلها في داخلهم فقط لو فتحوا قناة الاتصال والتواصل لما أجهدوا أنفسهم في البحث في فيافي الحياة ولو علم هؤلاء الذين أهانوا أنفسهم بالشهوات الرخيصة أن حياتهم غالية وقلوبهم غالية والسعادة قريبة منهم إلى هذا الحد ما دفنوا أنفسهم في وحل الخطيئة يقول الحسن البصري: "لا تجعل لنفسك ثمناً غير الجنة، فإنّ نفس المؤمن غالية، وبعضهم يبيعها رخيصة "
هروب في البحث عن السعادة:
عندما يغيب الاتصال مع الله عز وجل ويفقد الإنسان إيمانه أو يضعف ويخبو في قلبه يفقد الإنسان قدرته على الاتزان في الحياة بل لعله في الحقيقة يفقد حياته الحقيقية بضياع أهم روافدها ألا وهو الإيمان بالله عز وجل وهنا يقوم ببض الحيل النفسية الدفاعية التي تمنحه شعورا زائفا بالحياة ومن ذلك:
ـ الانغماس في العمل المادي بشكل مجهد والانشغال به حتى لا يجد الإنسان متسع للتفكير في مشكلته الحقيقية التي تؤرقه وتجهد روحه ومن ذلك أيضا الانشغال بأهداف نبيلة راقية تخدم المجتمع في حيلة نفسية للتسامي وإرضاءً الضمير وفي مثل هؤلاء قال الله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) [الكهف 103- 105]
على أن أغلبية من ضاع إيمانهم يسعون وراء المزيد من الملذات المادية والاستكثار منها في محاولة لطغيان اللذة الحسية على الألم العميق للروح المتضررة من غياب الإيمان ولكن هيهات فكما سبق وشرحنا في مفهوم اللذة ان الاستكثار منها ولو كانت حلالا مباحا يتبعه ضيق فما بالك إن كانت حرام إنها تجلب مزيد من الحياة النكدة والتي قد تصل بصاحبها في نهاية الأمر لتناول المخدرات والمسكرات للهروب النهائي من حالة الوعي التي تحمل كل صور الشقاء والألم.