الخوف من الله من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله"
يقول الله عزَّ وجلَّ {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الأنعام: 15,16]
فعلينا أن نخاف من ربِّنا عزَّ وجلَّ ونهابه ونُجِله، الخوف الذي يردعنا عن معصيته ويحثنا على طاعته.. وليس الخوف الذي يجعلنا نيأس من رحمته سبحـــانه. [ابن القيم]
قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: " الكبائر، ثلاث: أن تأمن مكر الله، وأن تقنط من رحمة الله، وأن تيأس من روح الله، قال: ويتلو القرظي هذه الآيات {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف: 99] {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} [الحجر: 56] وقال يعقوب عليه السلام لبنيه {لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] ".
ولهذا فهناك نقيضان لحقيقة الخوف؛ الأمن من عذاب الله والاغترار برحمته وهو من قبيل التفريط في الخوف الواجب، وعلى الضفة الأخرى هناك القنوط من رحمة الله واليأس من رحمته وهي من أعظم الكبائر وهي من قبيل الإفراط في الخوف من الله.
والخوف شرعاً: هو الانخلاع من طمأنينة الأمن وتألم القلب بسبب توقع مكروه في الاستقبال.]ابن قدامة[
وما فارق الخوف قلباً إلا خربه فإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات فيها وطرد الدنيا عنها..
ولهذا قيل: إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً..!
ولهذا فإن صفة الغافلين الجاهلين هي الأمن من عذاب الله، مع استمرار الإساءة ومعصية الله، ولهذا ولذلك قيل: ليس الخائف من يبكي ويمسح عينيه، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه.
يقول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]
لذلك كرر الله سبحانه وتعالى ذكر النار وما أعده الله فيها لأعدائه من العذاب والنكال وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال إلى غير ذلك مما فيه من العظائم والأهوال ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه وامتثال طاعته. [فصل الخطاب في الزهد والرقائق]
والعبد عليه ألا يغتر بنعم ربه وسعة رحمته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» [رواه الترمذي]
يقول الشافعي: على قدر علم المرء يعظم خوفه فلا عالم الا من الله خالف وآمن مكر الله بالله جاهل وخائف مكر الله بالله عارف
ومن خاف اليوم أمِنَ غداً.. ومن أمِن اليوم خاف غداً.
الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط، وهي درجة محرمة لقول الله: { إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }[يوسف: 87]
فالإفراط في الخوف يتحول في نفس العبد إلى قعود عن العمل والطاعة والاجتهاد، وبمرور الوقت يتحول ليأس من دخول رحمة الله، والله اسمه الرحيم فلا ييأس من رحمته إلا جاهل بحقيقته، يقول الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]
وقد أجمع العلماء على تحريم اليأس والقنوط، ومن اليأس والقنوط ما يخرج من الملة، ومنه ما لا يخرج من الملة، وإنما هو من الكبائر، بل أشد تحريمًا من الكبائر الظاهرة كالزنا، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب [الجامع لأحكام القرآن: 5/160]
قال السعدي: "الإياس من رحمة الله من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم جميع سبب يقربهم منها، وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم أوحشتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس" [ تيسير الكريم الرحمن: 1/629 ]
وروي (أنَّ رجُلاً قالَ: يا رسُولَ اللهِ ما الكبائِرُ؟ قالَ صلى الله عليه وسلَّمَ: الشِّركُ باللهِ، والإِياسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، والقُنُوطُ من رحمةِ اللهِ) رواه البزَّار وحسنه العراقي والألباني وروي موقوفاُ
وسيأتي تفصيل هلتين الكبيرتين في معاصي وأمراض القلوب إن شاء الله
فالعبد إن كان مستقيماً فمن أي شيء يخاف؟!!، فخوفه من سوء العاقبة لقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، وكذلك يخاف من نقصان الدرجة.. وإن كان مائلاً منحرفاً وعاصياً فخوفه من سوء فعله و ينفعه ذلك مع الندم والإقلاع..