خلقنا لعبادة الله ولم نخلق للهو أو لعب أو مجرد حياة، يقول الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: 56]
فانصرف أهل الدنيا إلى دنياهم وأنصرف أولياء الله إلى التنافس في أعمال الآخرة فبحثوا عن أفضل وأسرع طريق إلى الله فوجدوه في أعمال القلوب إخلاصاً وخشوعاً لله ومحبة ورجاءً وخوفاً منه وتفكراً وحياء منه، يقول النبي e: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"
وعبودية الله هي ليست قطعاً في مجرد قراءة القرآن أو الصلاة أو الذكر على فضل هذه الأعمال، وإنما العبودية: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فيدخل في ذلك الحياة بكل صنوفها وبكل أعمالها وبكل أقوالها وفي كل أوقاتها ما دام المرء حياً يلتقط أنفسه ومادامت الروح لم تصل للحلقوم.
إن الذي يعطي لكل حركة وسكنة عبوديتها وصلاحها هو أعمال القلوب، والذي ينزع حتى الذكر أو الصلاة عبوديتها وصلاحها هي أعمال القلوب، ولذا ما أكثر تكرار القرآن الربط بين الإيمان والعمل،
يقول الله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق: 11]
وأعم الأعمال بعد الإيمان هي أعمال القلوب فالله سبحانه غني عنا، يقول: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ..}[الحج: 37]
فمتى صلح القلب وزكى القلب بالإخلاص لله ومتابعة الرسول ﷺ زكت الأعمال.
و"الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب" فالصلاة لها ظاهر وهي الأركان والواجبات والسنن، ولها باطن وهو الخشوع والإخبات والإخلاص وغيرها.
والإيمان ليس مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له؛ فالتصديق إنما يتم بأمرين: أحدهما: اعتقاد الصدق، والثاني: محبة القلب وانقياده بالطاعة، بل مع التصديق والاعتقاد يجب أن يتبع ذلك كله: قول اللسان، وعمل الجوارح والأركان، ولا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر؛ لأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وجزء منه.
وتعظيم شعائر الله هو جزء من تصديق القلب، لقول الله: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]..