ما هي الحياة الآخرة؟ يقصد بالحياة الآخرة أو بالحياة بعد الموت هو البعث بعد الموت والانتقال لحياة أخرى متوقفة ومرتبطة بنوعية الحياة الأولى في الدنيا والإيمان بالحياة الآخرة يمثل أحد ركائز الإيمان في الأديان السماوية وأحد القضايا الفلسفية الكبرى التي اهتمت بها الأديان الأرضية والإيمان بالآخرة هو جزء من الإيمان بالغيب ﴿ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: 2 -3]
وبمقدار قوة إيمان الإنسان يكون إيمانه بالغيب وبما يحدث بعد الموت وباليوم الآخر وبالحياة الآخرة و(كُلَّما ضعُف الإيمانُ بِالغيب؛ ضعف الإيمان بالله تعالى وهكذا. بل إن من أنكر الغيب فهو خارج من الإيمان كله، وليس في قلبه إيمان ألبتة، وكان حاله كحال الدّهرية الملاحدة الذين قالوا: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24]
الإيمان بالغيب..دكتور ابراهيم بن محمد الحقيل حكم الإيمان بالآخرة الإيمان بالآخرة هو فاصل بين الإيمان والكفر فالكافر الذي لا يؤمن إلا بالأمور المادية المباشرة المحسوسة لا يؤمن بالغيب ويعتقد أن الموت هو فناء الإنسان كأنه لم يكن وللأسف يؤمن كثير من البشر بهذا الاعتقاد الساذج في عصر ازداد معرفة فيه الإنسان بجهله كلما ازداد علما وتيقن أن ثمة ظواهر كونية كثيرة غير مادية وغير محسوسة تحيط به وعلى الرغم من ذلك ظل يردد دعاوى فناء الإنسان وعبثية الحياة وغير ذلك من الترهات التي لا تستقيم عقلا فالعقل يؤيد كل ما جاء به الوحي بصورة مجملة ومن وجود غيب لا يعرف عنه الإنسان شيئا وبقيت تفاصيل الغيب والحياة الآخرة للمؤمن يتعرف عليها من صحيح ما ورد من آثار. الحياة الآخرة هي ضمان العدالة التي تغيب كثيرا فوق هذه الأرض والحياة الآخرة هي وقاية للإنسان من أن يسيطر عليه العبث والغرائز والأهواء لذلك يرفضها كثير من الملاحدة الذين أرادوا أن يعيشوا هذه الحياة بلا قيد او ضابط لكن هيهات ( قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) [التغابن: 7]
إن تجاهل التفكير في الآخرة والانغماس في مشاغل الدنيا وملذاتها ومشاكلها وضغوطها ذلك كله لا يعني في المحصلة النهائية إلا العمى والغباء عندما يعاين الإنسان الذي أنكر والذي ألحد حقائق الآخرة لأنها لا تخضع للتجربة المادية الملموسة ( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا )[الفرقان:21ـ27]
الإنسان عندما يتخلى عن الكبر والاستعلاء ويتخلى عن الرغبة في الفساد لن يجد أي صعوبة في التفكر في الدار الآخرة (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين * من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) [القصص: 83، 84]
والإيمان بالآخرة يشمل كل ما يلي الموت بدءا من لحظة خروج الروح ومغادرتها الجسد وما يقع لها في تلك اللحظات من معاينة الآخرة وما فيها من نعيم او جحيم مرورا بما سيجري في الحياة البرزخية وحقيقة ما تشمله من عذاب أو نعيم مرورا بمراحل القيامة من النفخة الأولى والثانية والزلزلة وانفطار السماء وما يحدث في ارض المحشر من أهوال والإيمان بذلك كله كالحوض والصراط والشفاعة انتهاءً بالإيمان بالجنة والنار كمستقر أبدي وخالد للبشر ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [يونس: 53]
هؤلاء المتشككين في الآخرة لم يعرفوا عظمة الله عز وجل بل لم يقدروه حق قدره ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]
والله سبحانه وتعالى أقام كل الحجج حتى يتيقن هؤلاء المتشككين في الحياة الآخرة فضرب لهم الأمثال وقدم لهم معجزات علمية عن مراحل نشأة الإنسان لم يتم الكشف عنها إلا في الآونة الأخيرة وفي الوقت ذاته كانت مفهومة وواضحة لمن سبق تخاطب فيهم العقل والوجدان والفطرة معا وفي آن واحد (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحج: 5-6]