يمكننا تقسيم يوم القيامة لعدة مراحل تبدأ المرحلة التمهيدية بالقبر ـ وسبق الحديث عنه ـ فالقبر أول منازل الآخرة وفي الحقيقة أنه ما من مات قامت قيامته.
قال شيخ الإسلام: "أن الله -سبحانه وتعالى- خلق قرناً ينفخ فيه ملك من الملائكة يسمى بالصور على ما ذكر الله تعالى هذا المعنى في مواضع من كتابه، اشتهر عند العلماء أنه إسرافيل -عليه السلام-، ونقلوا فيه إجماعاً، ولم يصح في ذلك حديث، لكنه مستقر عند العلماء أنه إسرافيل (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) [ق: 20]
هذا النفخ يجمع الناس وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف: 99]
، على هيئة أفواج (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)[النبأ: 18]
ويبدو على المجرمين والكافرين بشائر الهلع (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) [طه: 102]
إنها البداية الحقيقية ليوم الحساب (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) [المدثر: 8 - 10]
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه رواه الترمذي
تحدث أحداث عظيمة جسيمة بعد نفخة الصور هذه (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: 13 - 18]
إنها أحداث عظيمة قال عنها صلى الله عليه وسلم (كيف أنعم يعني: كيف أطمأن ويطيب لي عيش وأفرح، وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يعني: أمالها استعداداً وإصغاء، وأصغى سمعه وأمال أذنه ليسمع الأمر بالنفخ، استمع الإذن متى يؤمر بالنفخ، فينفخ فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال المسلمون: "يا رسول الله ما نقول؟ قال لهم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا) رواه أحمد،
النفخة الأولى يصعق من في السماوات والأرض أما النفخة الثانية فيبعث الجميع يشاهدون تلك المشاهد المفزعة
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [الزمر:68]
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) [النمل: 87]-
قال بعض العلماء: هذه النفخة الثانية يقومون فزعين.
فإذا أمر الله إسرافيل ونفخ في الصور، وقام الناس من قبورهم، عند ذلك ستحدث الحوادث العظيمة من ارتجاج الأرض، واضطراب الجبال، وتصبح الدنيا كالسفينة المرمية في البحر، تضربها الأمواج، وكالقنديل المعلق في السقف ترجرجه الرياح، يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ [النازعات: 6 - 8]
فيميد الناس على ظهرها؛ لأنها تتزلزل وهم يريدون ثباتاً وتوازناً، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الوالدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع، ويولي الناس مدبرين، ما لهم من أمر الله من عاصم، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمراً عظيماً لم يروا مثله، وكرباً هائلاً كبيراً، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي تشققت ثم ذابت، يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة: 10]
لقد وصف الله الزلزلة فقال:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
[الحج: 1،-2]
(النفخ في الصور..محمد صالح المنجد)
يقول ابن حجر عن هاتين النفختين:(فالأولى يموت بها كل من كان حياً، ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله، والثانية يعيش بها من مات، ويفيق بها من غُشي عليه، وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)[إبراهيم: 48]
حيث تدنو الشمس من رءوس الخلائق ويطول الانتظار
وستأتي تفصيلا في الفصل القادم بعنوان أحداث يوم القيامة.