قال ابن الأثير: الفخر: ادعاء العظم والكبر والشرف.
وقد (جاء ذكر الفخر في القرآن العزيز في خمسة مواضع، كلها جاءت في مقام
الذم، إلا أنها تكون مقرونة بصفة مقاربة من الصفات غير المحمودة، كقوله تعالى:) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 23]
وجاء في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد)، وقال أيضًا: (ما تواضع أحد لله إلا رفعه) رواه مسلم.
فالتفاخر والتباهي صفة ذميمة لا يحبها الله ولا يحب أهلها، قال ﷻ على لسان لقمان: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18]
، وقال عز من قائل) وَلاَ تَمْش في الأرْضِ مرحًا)[سورة الاسراء ءاية 37]
أي لا تمشِ في الأرض مِشية الفخر
وبعض الناس يمشون ويتكلمون ويتصرفون مع الناس بطريقة تطفح بالخيلاء والزهو وهذا حرام في ذاته، ويجلب لصاحبه المقت عند الله تعالى.
والفخر قد يكون بالمال أو بالجاه و بأي عرض من أعراض الدنيا، وقد يكون أيضًا بالعبادة والتدين وهذا أسوأ أنواع الفخر، لأنه حينئذ رياء وتسميع وعجب، وكلها آفات خطيرة.
ومعظم الناس قد يقضون أعمارهم في طلب الجاه للتفاخر فالبعض قد يفني مره كله في دراسة علم لا ينفعه في دينه ولا دنياه ولا يبغي من ورائه إلا التعالي بهذا العلم.
والبعض قد يصل الليل بالنهار في أعمال شاقة ويكلف نفسه مالا يطيق مع عدم اضطراره لذلك لا لشيء إلا لأجل تحصيل ما يستطيع إنفاقه في أغراض لا يقصد من ورائها إلا التباهي والظهور بمظهر اجتماعي معين وأن يقال إن فلانًا اشترى كذا أو امتلك كذا، أو ذهب إلى المكان الفلاني الذي لا يرتاده إلا الأغنياء مثلًا.
وكثير من الناس لا هم له إلا تتبّع أخبار غيرهم وإظهار الترفع عليهم والحديث عما حباهم الله من مال أو مكانة أو غيرها لا على سبيل التحدث بنعمة الله ولكن على سبيل التباهي والتعالي على عباد الله دونما استحضار أن هذه النعم تستحق الشكر وليس الغرور والخيلاء.
وقد أخبر النبي ﷺ أن داء التفاخر والتباهي بين الناس بالحسب والنسب سيظل في بعض من لم يهتدوا بهدي الإسلام في ذلك الأمر، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي ﷺ قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن) وذكر منهم (الفخر في الأحساب).
فالبعض يظن أن من حقه التعالي على خلق الله بسبب أصله أو مكانته، كقول إبليس (أنا خير منه) والعياذ بالله، مع أن النبي ﷺ قال: (من بطّأ به عملُه، لم يسرعْ به نسبُه) رواه مسلم.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، (إن اللَّهَ ﷻ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ (أي كِبْر) الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَاب) حسنه الالباني.
وروى أبوداود أن رسول الله ﷺ قال: (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل عصبية وليس منا من مات على عصبية(، فالإسلام جاء فأحل الرابطة الدينية، وجعلها فوق كل صفة فصار معيار الناس ووزن الأفراد يخضع لقول الله تعالى) إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ).
ونهى النبي ﷺ عن التكبر على الخلق تحت أي ذريعة فقال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) رواه مسلم، فالكبر يحرم صاحبه من دخول الجنة.
وفي الاخرة يعاقب الله المتكبرين يوم القيامة بنقيض قصدهم؛ فكما كانوا في الدنيا يتفاخرون على الناس ويتعالون عليهم ففي الآخرة يكونون في أحقر حال جزاءً على استكبارهم في الدنيا, قال رسول الله ﷺ : يُحشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكانٍ، يُساقونَ إلى سجنٍ في جَهَنَّمَ يسمَّى بولُسَ تعلوهُم نارُ الأَنْيارِ يَسقونَ من عُصارةِ أَهْلِ النَّارِ طينةَ الخبالِ) رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني.