واللعب يُراد به الأفعال التي لا يُقصد من ورائها قصدٌ مفيد.
قال الزمخشري: " يُقال لمن كان في عمل لا يجدي عليه: إنما أنت لاعب"
وكثير من الناس لم يُفطم من اللعب الذي اعتاد عليه منذ الطفولة، لكنه يستبدل أنواع اللعب بأشكال وانواع أخرى، فيترك ألعاب الأطفال ليتلهى بألعاب الكبار، وبذلك يظن نفسه من الراشدين!!
العبرة بالحقيقة
العبرة هنا بأن كل عمل أو نشاط لا يُقصد من ورائه قصدٌ مفيد ولا هدف رشيد فهو محض لعب، وإن بدا غير ذلك، فمن يضيع أيامه ولياليه في عمل لا ينفع، أو يضيع أوقاته في السمر مع أصدقائه، أو في التنزه والتفكه، فهو لاعب شاء أم أبى.
ولا غضاضة في أن يروح المرء عن نفسه قليلاً، ليستأنف نشاطه، بل هذا مطلوب ومندوب إليه، لكن المذموم هنا هو ان يتحول اللعب واللهو إلى غاية للحياة، بدلاً من كونه وسيلة للترويح.
فالبعض يلعب ويلهو وينسى ذكر الله والدار الآخرة، إذ تمتلئ اوقاته ويمتلئ قلبه باللعب وتفاصيله، حتى ربما فاتته صلاة الجماعة، أو تمر عليه أيامًا كاملة لا يقرأ فيها شيئًا من القرآن، حتى يقسو قلبه، وهذا بالقطع ليس حال طالب الجنة والهارب من النار.
قال الحسن البصري: وكان يقول: ألا تعجبون من رجل يلهو ويغفل، ويهزأ ويلعب، وهو يمشي بين الجنة والنار، لا يدري إلى أيهما يصير؟ (آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه)
وقد نهى الإسلام عن الاشتغال باللعب وتضييع الحياة فيه، مع أن اللعب ليس محظورًا طالما كان بضوابطه الشرعية، لكن استغراق العمر فيه مذموم لأن اللعب ضد الجد.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغًا) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة. [أورده الزيلعي]
الفرق بين اللهو واللعب
اللعب هو الأفعال التي لا يُقصد من ورائها قصدٌ مفيد، بينما اللهو قد لا يكون فعلاً من الأساس بل قد يعني مجرد الغفلة والذهول.
وغالبًا ما يقرن الله سبحانه في القرآن اللهو باللعب، لأنه كثيرًا ما يجتمع الاثنان في سلوكيات الناس فيقضون حياتهم في مشاغل وملهيات وأعمال فارغة، قال الله:(إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [محمد: 36]
واللعب واللهو قد يأتي أحدهما بمعنى الآخر نتيجة التقاطع الكبير بينهما، فالذي يقضي وقته في أعمال تافهة فارغة لا تنفعه في دينه ولا دنياه هو لاعب لاه.
قال رسول الله ﷺ: (كل شيء ليس من ذكر الله، فهو لهو وسهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلم السباحة) رواه النسائي وصححه الألباني.
أي أن كل وقتٍ يضيع ليس فيه ذكر الله تعالى سواء بصلاةٍ مفروضةٍ أو حتى تطوّع أو أذكارٍ أو غير ذلك، فهو مذموم لأنه وقت ضائع، إلّا حالاتٌ معيّنة لا يدخلها الذّمّ.
وهذه الخصال وما كان على نفس منوالها، إذا فعلها الإنسان لا يذمّ على فعلها، ولا يلحقه إثمٌ لتضييع الوقت والعمر فيها، وهي "مشي الرّجل بين الغرضين"، أي المشي بين الهدفين للرّمي، لتحصيل القوّة على العدوّ، و"تأديب الفرس"، أي: تهيئته وإعداده، وهذا الاستعداد يكون للعدوّ في العادة، "وملاعبته أهله"، وهو ما يكون بين الرّجل وزوجته من التودد والملاطفة بالمؤانسة، "وتعلّمه السّباحة"، أي: لتحصيل الصحة والقوة بتعلّم العوم في الماء.
وهذه الأغراض السابقة رغم أنها تبدو في الظاهر من اللعب –وهي كذلك بالفعل- إلا أنها لها أثر طيب غير مباشر، كتقوية المسلمين وزيادة الألفة والمودة بين الزوجين، ولذا يلحق بها ما كان من نفس جنسها.
لكن في المجمل فإن الاستغراق في اللهو واللعب وتضييع الأوقات ليست من صفات أهل الآخرة على الإطلاق، ولو علم أهل الدنيا قيمة حياتهم وأوقاتهم لكانوا أكثر شحًا بها من المال، لأن الوقت هو الحياة.
فالدنيا لهو ولعب، والعاقل يتجاوز تلك الملهيات لأنه يبصر طريقه وهدفه الذي خلق من أجله، لا يشغله عنه أي شئ، فالمؤمن يرى سعادته في تحصيل زاد الآخرة ومسابقة الوقت ليدرك ويحصل الثواب والخير الذي ينفعه عند الله.
وحري بكل من أدرك أنه يعيش بدر امتحان واختبار ألا تشغله سفاسف الأمور عن أمر مصيره وما أعد الله له في الآخرة.