هو تصديقك بالله الذي لا يحتمل معه شك، حتى لكأنك تراه بعين البصيرة في كل ما حولك، فتزول الوحشة وتحل السكينة والطمأنينة وتذوق حلاوة الإيمان؛ فاليقين هو روح إيمانك بالله، ولا يدرك معجزات الخالق في الكون إلا أصحابه، فالله يقول: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}[الذاريات:20]
باليقين تصلح أمة الخير عند الله، وبه واجه الأنبياء عليهم السلام أقوامهم؛ إبراهيم عليه السلام في مواجهة من أرادوا حرقه لتحطيمه أصنامهم فأنجاه الله وسط النيران، وهو أبو الأنبياء الموقنين الذي رأى ملكوت ربه، وموسى عليه السلام أمام ملاحقات جيش فرعون الطاغية حتى أغرقهم الله في البحر، ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي انفتح له كتاب الدنيا والآخرة ليراه واقعا، فكان علم الموقنين، فنراه وهو يحدث صاحبه في الغار بيقين راسخ، بينما المشركون يهمون في طلبهم للقتل، فأنجاهم الله وأظهرهم ومكن لهذا الدين .. إنه اليقين
وقد أعد الله جنته لأهل اليقين، يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة: 4-5]
ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم قْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ , وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ , وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا » [رواه الترمذي]؛ فهي طمأنينة يذوب معها أي شقاء كأن لم يكن، ومن رزق الله للعبد أن يتبعها بنعمة المعافاة، يقول الحبيب محمد e: « لم يؤت أحد بعد اليقين خيرًا من المعافاة »[رواه البخاري]؛ لأن اليقين يضمن لك جنة الآخرة، والمعافاة تضمن لك سلامة الدنيا..
اليقين مشتق من الفعل يَقِنَ وأيقن يوقن إيقانًا ، وييقن يقنًا ويقينًا ، فهو موقن .
واليقين : نقيض الشك ، والعلم نقيض الجهل،تقول علمته يقينًا (اي علما لا شك فيه)[لسان العرب- ابن منظور]
" هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل" [السعدي: 40]
لإن اختلفت التعريفات وألفاظها إلا أن جوهرها واحد، وحقيقتها تدور حول معرفة وطمأنينة وقبول وتصديق القلب الذي يُعارِض اللَّبْسَ والتشكيك والرَّيب في وعد الله ووعيده وفي رزقه وتدبيره وفي كرمه وجوده وفي جماله وجلاله وفي قوته وجبروته وفي رحمته وعفوه ومغفرته وفي لطفه وتدبيره وفي حكمته وعلمه وفي معيته وسمعه وبصره وفي علوه وقدرته، وفي جنته وناره وفي لقاءه وحسابه سبحانه، وفي وحدانيته وحده لا شريك له يقيناً بالله وأسماءه وصفاته وآثارها.
هذا اليقين يظهر في القلب فيثمر الأيمان ويظهر أثره في كل الأعمال القلبية، وينتج كل خير وبر من طمأنينة ومحبة وخوف ورجاء وتوكل واخبات وخشوع وتوبة وحياء ومراقبة ومحاسبة وشوق ورضا وغير ذلك، ولذا عده البعض الإيمان كله، قال بعض السلف: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله"، فإذا أثمر في القلب كل هذا تبعته الجوارح بلا شك فيظهر أثره في كل أعمال الجوارح وفي الحياة كلها.